الحاجة إلى ربط الطب بالدين عندما بدأت أوربا عصر النهضة العلمية الحديثة بعد ظلمات القرون الوسطى حدث أول صدام بين العلم والدين. وبين العلماء ورجال الكنيسة. وقد استمر هذا الصراع حقبة طويلة من الزمن وبلغ من الشدة بحيث كانت الكنيسة تأمر بإحراق العلماء أحياء أو وضعهم على الخوازيق بتهمة السحر والهرطقة. ولم ينته هذا الصراع إلا بإقرار مبدأ فصل الدين عن العلم.
وإذا كانت هذه الخطوة في أوربا قد أفادت العلم بإطلاق حرية البحث والتفكير فقد كان عواقبها بعد العلم والعلماء عن الدين... وعن القيم والمثل العليا التي جاءت بها الأديان.
وللأسف الشديد عندما بدأ العالم الإسلامي عصر النهضة العلمية الحديثة فقد نقل عن الغرب كل نظمه العلمية وأسلوبه بغير تمييز.. بما في ذلك مبدأ فصل الدين عن العلم... وهذا خطأ كبير لا مبرر له.. فالإسلام يحث على العلم ويحترم العلماء ولا يقف عائقاً أمام حرية البحث والتفكير العلمي.
ومن هنا كان لا بد من الدعوة من جديد إلى ربط العلم بالدين.. لا في المجال الطبي وحده... ولكن في شتى العلوم والمعارف المادية والإنسانية... مثل الهندسة والعلوم والتجارة والعلوم الاجتماعية والفلسفية وعلم النفس...
والهدف من هذا الارتباط:
- إنشاء جيل من أهل المسلمين ملتزم بالقيم والمثل العليا والأخلاقيات التي جاءت بها الأديان.
- القضاء على ظاهرة الإلحاد والبعد عن الله التي تفشت بين أهل العلم والأطباء المسلمين.
- رفع المستوى العلمي بين العلماء المسلمين بفضل العودة إلى الدافع العقائدي الذي كان يحث العالم المسلم على إتقان العمل والتفاني والتبحر في العلم لكي يخدم به دينه وعقيدته.
- خدمة الإسلام كدين وعقيدة... بفضل البحوث العلمية التي تزيد الإيمان بما تقدمه من براهين علمية.
نوعية الدراسة الدينية في الكليات العلمية: لقد جرت أول محاولة معاصرة لتدريس الدين مع الطب بالجامع الأزهر.. ولكن هذه المحاولة لم تحقق أهدافها ولم تجد الحماس الكافي بين طلبة العلم. وذلك بسبب نوعية الدراسة واختيار المنهج.. فهي دراسة دينية تقليدية مما يدرس في كليات الفقه والشريعة.. مثل قواعد الصلاة والزكاة والحج والصوم.. أو قضايا الزواج والطلاق والمحلل وغير ذلك من الأمور التي لا ترتبط بموضوع دراستهم أو باتجاههم العلمي...
إن الدراسة الدينية في أي معهد علمي يجب أن تنتقى انتقاء بحيث تكون ذات علاقة وثيقة بالمنهج العلمي نفسه.
- ففي كلية التجارة يدرسون الاقتصاد الإسلامي .
- وفي كلية العلوم يدرس الإعجاز العلمي في القرآن .
- و كلية الخدمة الاجتماعية يدرس علم الاجتماع الإسلامي .
- وفي كلية الحقوق يدرس نظام الحكم والعقوبات في الإسلام .
- وفي كلية الطب يدرس الطب الإسلامي .
حقيقة أن هذه الأبحاث في هذه المجالات قليلة... وأن إنشاء مادة علمية جديدة كالاقتصاد الإسلامي والطب الإسلامي أمر يحتاج إلى جهد كبير ولجان علمية ولكن لا بد من البداية بوضع النواة من الآن...
وهذه نبذة مختصرة عن مشروع وبرنامج تدريس مادة الطب الإسلامي.
منهج دراسة الطب الإسلامي يشتمل المنهج على الأقسام التالية:
أ- الإسلام والطب.
ب- التراث الطبي الإسلامي.
ب- العلاج في الطب الإ سلامي.
د- التكنولوجيا العصرية في خدمة الطب الإسلامي.
(أ) الإسلام والطب: ويتناول هذا الباب ما جاء به الإسلام كدين وتعاليم وله علاقة بمهنة الطب ومن ذلك.
- خلق الطبيب المسلم:
وتجمع مادة هذا الباب من القرآن وتعاليم الرسول (ص) بحيث تشمل على جانبين:
أ- المعاملات الانسانية والسلوك الاجتماعي الإسلامي بصفة عامة.
ب- ما يتعلق بممارسة مهنة الطب بصفة خاصة..- مثل كمان سر المريض " البعد عن الطمع المادي " حرمة البيوت والعائلات تجنب نظرة الشهوة إلى المريضة.. عدم غش المريض. إتقان الفحص والعلاج.
- قسم الطبيب المسلم :
فحتى اليوم ما زال الأطباء في العالم الإسلامي يقسمون قسم أبقراط.. والذي ينص على أمور بدائية وبديهية في حين أن لدينا من تعاليم الإسلام ما هو أكثر إيجابية وأعلى مستوى من ذلك... ومن هنا فلا بد من قسم طبي إسلامي خاص بنا.
- تعاليم الإسلام وأحكام الشريعة في القضايا الطبية :
مثل رأى الإسلام في الإجهاض.. وزرع الأعضاء.. وطفل الأنابيب وحكم الطبيب الذي تأتيه حالة حمل سفاح.. هل يلتزم بالإبلاغ عنها أم يحفظ سر المريضة وهكذا...
- الطب الوقائي في الإسلام :
والمقصود به دراسة كل ما جاء به الإسلام من تعاليم وأوامر.
أ- لإقامة المجتمع الصحي المثالي: عن طريق النظافة: نظافة الأيدي والملابس والطعام والطريق ونظافة البيوت ونظافة مصادر المياه وشواطيء الأنهار والآبار..
ب- لوقاية المجتمع من الأوبئة: تعاليم الإسلام عن ظهور الوباء وتجنب العدوى.
- حكمة التحريم:
يجب أن يدرس الطبيب المسلم الحكمة الطبية والعلمية للمحرمات مثل: الزنى واللواط. والميتة والدم ولحم الخنزير والخمر والمخدرات بحيث يكون مؤهلاً لشرح الحقائق العلمية للمسلمين.
- الإسلام والصحة والنفسية:
تعاليم الإسلام للقضاء على مظاهر التوتر والعنف في البيئة الإسلامية وذلك بمنع بؤ ر الفساد والتوتر كالحانات ودار القمار واللهو غير البريء والدعارة بهدف إنشاء مجتمع السلام والطمأنينة. وكذلك حكمة الإسلام في الحث على الصبر والقناعة وعدم الغيرة والحسد لإبعاد المسلم عن العقد النفسية وا اعلق العصبي...
- الإسلام والصحة الجنسية:
دراسة تعاليم الإسلام حول الجنس.. وآداب المباشرة وحكمة الغسل بعدها وحكمة الختان للذكور دون الإناث، وأضرار ختان البنات والحكمة الطبية وراء إباحة الطلاق وتعدد الزوجات.
- الصوم:
وفوائده الصحية - الأسباب الطبية التي تمنع الصوم سواء منها ما كان مؤقتاً أم دائما..
- الإعجاز الطبي والعلمي في القرآن:
دراسة كل ما جاء في آيات القرآن من حقائق علمية أثبت العلم الحديث صدقها وخاصة ما يتعلق بالأجنة. وتخلق الانسان وتكوين النطفة وتطوير الجنين في الرحم..
(ب) التراث الطبي الإسلامي:
- تاريخ الطب الإسلامي:
ابتداء من عصر الجاهلية.. ثم فضغط الإسلام في فصل الطب عن السحر ثم عصر الترجمات ثم عصر الإنتاج الذاتي والنهضة.
- فروع الطب الإسلامي:
مثل الجراحة والباطنية والعيون (الكحالة) والصيدلة ومقارنة الطب الإسلامي في مرحلة ازدهاره بطب الشعوب الأخرى وخاصة في القرون الوسطى.
- المستشفيات:
الاسلامية والمريض في الإسلام ومستوى الخدمة الطبية.
- علماء المسلمين في شتى فروع الطب:
مثل الرازي شيخ الأطباء ومثل الرئيس ابن سينا ومثل ابن النفيس طبيب القلب والدورة الدموية وابن الهيثم شيخ الكحالين وابن البيطار شيخ العطارين مع شرح دور كل منهم في فرع تخصصه وكتبه التي ألفها..
- الأمراض والأدوية والأجهزة والحقائق الطبية التي اكتشفها أو اختراعها علماء المسلمين و طوروا بها مهنة الطب.
- عمل مقدمة تاريخية لكل مرض معروف في عصرنا تبين فضل علماء المسلمين في اكتشافه أو تطور المعلومات عنه مثل اكتشاف الرازي للحصبة وأنواع اليرقان وأمراض الحساسية واكتشاف ابن النفيس للدورة الدموية وتجريح القلب واكتشاف ابن سينا لخيوط الجراحةو الحقنة تحت الجلد...
(ج) العلاج في الطب الإسلامي:
- نظرية الأخلاط في الطب الإسلامي القديم ونقدها علميا.
- الأعشاب المستعملة في الطب الإسلامي وما استخلص منها في عصرنا الحاضر وطريقة تصنيعها وتقديمها للمرضى..
- أعشاب استعملت وثبتت فعاليتها حتى عصرنا وكيفية تطويرها.
(د) التكنولوجيا العصرية في خدمة الطب الإسلامي: عمل أبحاث علمية متطورة بالأسلوب العلمي العصري وبالاستعانة بالأجهزة الحديثة في مجالات تخدم الطب الإسلامي وتطوره مثل:
- دراسات على عسل النحل وخصائصه الطبية ودراسة ماء الكمأة في أمراض العيون والتمر وخصائصه... الخ.
- أبحاث متطورة على الأعشاب والوصفات الطبية القديمة التي جاءت في كتب التراث الإسلامي..
- أبحاث علمية على العطارة والطب الشعبي الموجود في العالم العربي والإسلامي المعاصر وإمكانية تطوبر ها.
- دراسة جبر العظام في الطب العربي والاستفادة منه في عصرنا الحاضر بعد تطويره بعد أن. لوحظ أنه ما يزال متفوقاً على علم جراحة العظام الأوربي المعاصر ونتائجه أفضل.
كانت هذه بعض الأبواب الرئيسية في دراسة الطب الإسلامي في كليات الطب. وهذا المقرر يجب أن يكون إجبارياً ومدة الدراسة ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر ويستحسن أن يتم بعد السنة الثالثة طب أي بعد أن يكون الطالب قد درس التشريح والفسيولوجيا وعلم الأمراض حتى يمكنه استيعاب حقائق الطب الإسلامي...